فصل: ما هي حدود طاعة الوالدين؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (نسخة منقحة مرتبة مفهرسة)



.ما هي حدود طاعة الوالدين؟

الفتوى رقم (3405)
س: أخي الكريم: لقد أوصانا الله عز وجل في كتابه العزيز بطاعة الوالدين وبرهما، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من عقوقهما أشد التحذير، فما هي حدود طاعتهما؟ حيث إن والدتي امرأة من عامة المسلمين، وتجهل أمورا كثيرة، وقد من الله علينا بالمال الكثير ولله الحمد، ونريد أن نشتغل في أمور التجارة والبيع والشراء، وهي تمنعنا من مزاولة بعض الأعمال وتقول مثلا: شاركوا فلانا من الناس، ولا تشاركوا الآخر، وهي لا تعلم أمور البيع والشراء، أو الناس ومعاملاتهم، فهل نطيعها في ذلك أم نخالفها، وهل إذا خالفناها نعتبر عاقين؟ كذلك تريد أن تزوجنا من بعض من تحب، مع أننا نرى أن الزواج من غير من أرادت خير لنا في ديننا ودنيانا، ونحن دائما نحرص على ذات الدين من بنات إخواننا في الله من أهل الفضل والصلاح، فهل نطيعها أم نخالفها، وهل نعتبر عاقين لها في ذلك أم لا؟
ج: أولا: طاعة الوالدين واجبة، وبرهما والإحسان إليهما كذلك؛ لنصوص القرآن والسنة الواردة في ذلك، وذلك في حدود المعروف المقدور عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف». (*)
ثانيا: ما كان من أمركم يتعلق بالمباحات والأمور العادية التي تدركون مصلحتها ووالدتكم لا تدرك ذلك ولا ما يترتب على الدخول فيها والتعامل بها من مصالح لا يلزمكم طاعتها فيها، ولا تكونون عاقين لها بمخالفتكم لها في ذلك؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». (*)
ثالثا: لا يلزمكم طاعتها في التزوج ممن تريد إذا كان الأمر كما ذكرت من أنكم تحرصون على ذات الدين من بنات إخوانكم في الله من أهل الفضل والصلاح، ولا تكونون بمخالفتها في ذلك عاقين لها، لكن يجب عليكم في جميع الأحوال مراعاة خاطرها بالأساليب الحسنة التي تطمئن قلبها وترضى بها عنكم، واجتناب الأساليب الجافية، مع مضيكم فيما ترون مصلحته راجحة على ما رأت وأكدتم خلافه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
عضو: عبد الله بن غديان
عضو: عبد الله بن قعود

.التوفيق بين بر الوالدين وتجنب الحرام:

الفتوى رقم (19680)
س: كيف أوفق بين خدمة وطاعة والدي وتجنب الحرام؟
ج: هذا السؤال يقتضي أن نذكر لك جوابا مفصلا بشأن معاملة الولد مع والديه، وذلك في الأمور الآتية:
أولا: قاعدة الشرع المطهر هي: أنه فرض عين على الولد البر بالوالدين، وطاعتهما في المعروف، والإحسان إليهما، وذلك بلين القول، والرفق، والمحبة، والعطف عليهما، وإيصال النفع إليهما في أمور الدين والدنيا، وخدمتهما، وصلة رحمهما وأهل ودهما، وهو من تمام الإحسان إليهما، وهذا يشمل كل والد مهما علا، ومن الأجداد والجدات من كل ولد مهما نزل من الأبناء والبنات، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، والأدلة عليه كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة النساء الآية 36] وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء الآية 23].
وهو وصية الله إلى عباده؛ كما قال عز من قائل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [سورة لقمان الآية 14] إلى أن قال سبحانه: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة لقمان الآية 15]. وفي الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك» (*) زاد مسلم: «ثم أدناك أدناك». (*)
ولهذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريم عقوقهما أو إيصال أي أذى إليهما، وهذا مما أجمع المسلمون على تحريمه، وأنه من أكبر الكبائر، وأشد المآثم، ومن العقوق: ترك البر بهما، والملل والضجر، والغضب والاستطالة عليهما، وبخاصة في حال كبرهما. نسأل الله السلامة والعافية.
ولهذا أيضا فإنه على تقدير الإساءة من الوالد لولده فإنه لا يجوز للولد المقابلة بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة؛ عملا بقول الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت الآية 34] والوالدان أولى بالإحسان من غيرهما ولقول الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء الآية 23].
ثانيا: طاعة الوالدين في المعروف واجبة على ولديهما ما لم يأمرا بمعصية، فإذا أمرا بمعصية «فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (*) لقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [سورة العنكبوت الآية 8] وقوله سبحانه: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [سورة لقمان الآية 15] وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (*) رواه الإمام أحمد.
ولهذا فإذا أمر الوالدان ولدهما بفعل معصية من شرك بالله عز وجل، أو شرب خمر، أو سفور، أو تشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ونحو ذلك من المعاصي، أو أمر الوالدان ولدهما بترك فرض من الصلوات الخمس المفروضة، أو عدم أدائها من البنين في المساجد، ونحو ذلك مما أوجبه الله على عباده- فإنه لا يجوز للولد طاعتهما في شيء من ذلك، ويبقى للوالدين على الولد حق الصحبة بالمعروف والبر، من غير طاعة في معصية أو في ترك واجبا، أما ما يتعلق بطاعتهما في الأمور المباحة والعادية، وفي أمر التزويج والطلاق، فهذا يعود إلى تقدير المصالح والمضار والمقابلة بينها، فإذا أمر الوالدان ولدهما بشيء من ذلك منعا أو إيجابا، والمصلحة في مخالفتهما فلا حرج على الولد في ذلك، بلطف وحسن معاملة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» (*) ولا يكون الولد عاقا بذلك، وإذا كانت المصلحة راجحة في طاعتهما في شيء من ذلك ففي طاعة الولد لهما الخير والبركة والبر والإحسان، والوالدان هما أولى الناس بنصح ولدهما والحرص على نفعه.
ثالثا: على الولد إذا رأى من والديه انحرافا في دينهما؛ كالتهاون في الصلوات، وارتكاب المحرمات، وكسب المال الحرام، أن يبذل النصح لهما بأداء حق الله عليهما، والتزام شرعه المطهر، ويكون ذلك بالرفق واللين، مع الدعاء لهما بالهداية، ويحسن التعاون مع من يساعده من قريب أو صديق فيما يصلح الحال، فإن حصلت الاستجابة فالحمد لله، وإلا فيستعين الولد بالله ويجتنب كسبهما، ومساكنتهما، ويبقى على مصاحبتهما في الدنيا معروفا متبعا سبيل من أناب إلى الله تعالى، ولا يعتبر ذلك عقوقا، لكن لا يجوز أن يحمله ذلك على عقوقهما والقطيعة لهما. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: عبد الله بن غديان
عضو: صالح الفوزان
عضو: بكر أبو زيد